يقلب شون أكور المفهوم السائد بأن النجاح يجلب السعادة، مؤكدًا أن السعادة هي التي تقود للنجاح. يقدم سبعة مبادئ عملية مستندة إلى علم النفس الإيجابي لزيادة سعادتك وبالتالي تعزيز إنتاجيتك وإنجازك في العمل والحياة.
مقدمة: المعادلة المقلوبة.. السعادة أولاً، ثم يأتي النجاح!
ما هي وصفتك للنجاح والسعادة؟ بالنسبة للكثيرين، المعادلة تبدو واضحة: اعمل بجد أكبر، حقق المزيد من النجاح، وعندها فقط ستشعر بالسعادة. لكن ماذا لو كانت هذه المعادلة الشائعة مقلوبة رأسًا على عقب؟ ماذا لو كانت السعادة ليست جائزة ننتظرها في نهاية سباق النجاح، بل هي الوقود الذي يدفعنا لتحقيق هذا النجاح في المقام الأول؟
هذه هي الفكرة الثورية والمُدعمة علميًا التي يقدمها خبير علم النفس الإيجابي شون أكور في كتابه المؤثر "The Happiness Advantage" (ميزة السعادة). بالاعتماد على سنوات من البحث في جامعة هارفارد وفي مجال علم النفس الإيجابي، يتحدى أكور الافتراضات التقليدية حول العلاقة بين السعادة والنجاح. هو يجادل بأن أدمغتنا تعمل بشكل أفضل بكثير عندما نكون في حالة إيجابية؛ نصبح أكثر إبداعًا، مرونة، إنتاجية، وصحة. وبالتالي، فإن تنمية سعادتنا ورفاهيتنا ليست مجرد هدف شخصي لطيف، بل هي **ميزة تنافسية حقيقية** تمنحنا الأفضلية في العمل والحياة.
الكتاب لا يقدم مجرد نظريات، بل يزودنا بـ **سبعة مبادئ عملية وقابلة للتطبيق** مستمدة من أبحاث علم النفس الإيجابي، يمكننا استخدامها لزيادة سعادتنا وبالتالي تعزيز أدائنا ونجاحنا. هذا الملخص سيستكشف هذه المبادئ بأسلوب تحليلي وعملي، موضحًا كيف يمكنك تطبيقها لتعزيز إنتاجيتك، تقوية ذكائك العاطفي، وتحقيق تحفيز مستدام ينبع من الداخل.
"السعادة ليست الاعتقاد بأننا لا نحتاج إلى التغيير؛ إنها الإدراك بأننا نستطيع التغيير."
— شون أكور
نبذة عن شون أكور: رسول السعادة المبني على العلم
شون أكور هو باحث ومؤلف ومحاضر أمريكي، يعتبر من أبرز الدعاة لتطبيق مبادئ علم النفس الإيجابي في مجال الأعمال والحياة اليومية. بعد تخرجه من جامعة هارفارد، أمضى 12 عامًا في التدريس والبحث هناك، حيث درس بعضًا من أشهر فصول الجامعة حول السعادة وعلم النفس الإيجابي. تجاربه مع آلاف الطلاب والمديرين التنفيذيين ألهمته لتحدي النماذج التقليدية للنجاح وتقديم بديل مبني على العلم يضع السعادة في المقدمة.
أصبح أكور معروفًا عالميًا بعد محاضرته الشهيرة والممتعة في TED Talk بعنوان "السر السعيد لعمل أفضل"، والتي حصدت عشرات الملايين من المشاهدات وتعتبر من أكثر محاضرات TED شعبية على الإطلاق. بالإضافة إلى "ميزة السعادة"، ألف كتبًا أخرى ناجحة مثل "قبل السعادة" (Before Happiness) و"الإمكانات الكبيرة" (Big Potential). يسافر أكور حول العالم لتقديم استشارات ومحاضرات للشركات والمدارس والمنظمات، مساعدًا إياها على بناء ثقافات عمل أكثر إيجابية وإنتاجية. يتميز أسلوبه بالمزج بين البحث العلمي الدقيق والقصص الملهمة والفكاهة والتطبيق العملي.
المبدأ الأول: "ميزة السعادة" - لماذا السعادة تسبق النجاح؟
هذا هو حجر الزاوية في فلسفة أكور. الفكرة التقليدية تقول: "عندما أنجح (أحصل على ترقية، أشتري منزلًا، أفقد وزنًا)، سأكون سعيدًا." لكن أكور يقلب هذه المعادلة بناءً على أبحاث علمية واسعة. هو يوضح أن **أدمغتنا مبرمجة لتعمل بأفضل حالاتها ليس عندما تكون محايدة أو سلبية، بل عندما تكون إيجابية.**
عندما نشعر بالسعادة والتفاؤل، تحدث تغييرات بيولوجية وعصبية حقيقية:
- زيادة الدوبامين والسيروتونين:** هذه الناقلات العصبية لا تجعلنا نشعر بالرضا فحسب، بل تنشط مراكز التعلم في الدماغ، مما يجعلنا أكثر قدرة على تنظيم المعلومات الجديدة، الاحتفاظ بها، واسترجاعها بسرعة أكبر.
- توسيع نطاق التفكير:** المشاعر الإيجابية تفتح عقولنا وتجعلنا أكثر إبداعًا وقدرة على رؤية حلول متعددة للمشكلات (وهو ما يُعرف بنظرية "التوسيع والبناء" لباربرا فريدريكسون).
- زيادة الطاقة والدافعية:** السعادة تمدنا بالطاقة الجسدية والذهنية اللازمة لمواجهة التحديات والمثابرة نحو أهدافنا.
- تحسين الصحة:** ترتبط المشاعر الإيجابية بتقوية جهاز المناعة وتقليل مستويات التوتر، مما يؤدي إلى صحة أفضل وقدرة أكبر على الأداء.
الدليل العملي يدعم هذه الفكرة. يذكر أكور دراسات تظهر أن الأطباء الذين يكونون في حالة مزاجية إيجابية يصلون إلى التشخيص الصحيح بشكل أسرع وأكثر دقة بنسبة 19%. كما وجد أن مندوبي المبيعات المتفائلين (كما في دراسة MetLife المذكورة) يتفوقون بشكل كبير على نظرائهم المتشائمين. الخلاصة واضحة: **إذا أردت أن تكون أكثر نجاحًا وإنتاجية، ابدأ بالاستثمار في سعادتك أولاً.**
المبدأ الثاني: "نقطة الارتكاز والرافعة" - قوة العقلية والجهد
"البناء العقلي لأنشطتنا اليومية، أكثر من النشاط نفسه، هو ما يحدد واقعنا."
— شون أكور
يستخدم أكور استعارة الرافعة ونقطة ارتكازها ليشرح كيف أن إمكانياتنا ليست ثابتة، بل يمكن تغييرها بشكل كبير من خلال عاملين: **عقليتنا (Mindset)** و**جهدنا (Effort)**. عقليتنا هي "نقطة الارتكاز" التي تحدد كيف نرى العالم وإمكانياتنا، وجهدنا هو "الرافعة" التي نستخدمها لتحريك واقعنا.
إذا كانت عقليتنا سلبية أو ثابتة ("أنا لست جيدًا في هذا"، "لا يمكن تغيير هذا الوضع")، فإن نقطة ارتكازنا تكون في مكان خاطئ، ومهما بذلنا من جهد (رافعة)، فلن نتمكن من تحقيق الكثير. لكن، إذا استطعنا تغيير عقليتنا إلى **عقلية النمو (Growth Mindset)** – الاعتقاد بأن قدراتنا يمكن تطويرها بالجهد والممارسة – فإننا نغير موضع نقطة الارتكاز. عندها، يصبح جهدنا (الرافعة) أكثر فعالية بكثير ويمكننا تحقيق نتائج لم نكن نعتقد أنها ممكنة.
مثال الطالب الذي يعاني من الرياضيات يوضح ذلك: تغيير عقليته من "أنا سيء في الرياضيات" إلى "يمكنني التحسن بالممارسة" (تغيير نقطة الارتكاز) يفتح الباب أمامه لبذل الجهد اللازم للدراسة والفهم (استخدام الرافعة)، مما يؤدي إلى تحسن حقيقي في أدائه. هذا المبدأ يؤكد على أهمية تبني التفاؤل الواقعي والإيمان بقدرتنا على التأثير في نتائجنا.
المبدأ الثالث: "تأثير تترس" - إعادة تدريب دماغك لرؤية الإيجابيات
هل لاحظت أنك بعد لعب لعبة "تترس" لساعات، تبدأ برؤية أشكال اللعبة في كل مكان حولك؟ هذا ما يسميه أكور **"تأثير تترس" (The Tetris Effect)**. أدمغتنا تتكيف وتتبرمج للبحث عن الأنماط التي نركز عليها بشكل متكرر.
المشكلة أن الكثير منا، بسبب ضغوط العمل أو التغطية الإعلامية السلبية، يدربون أدمغتهم بشكل لا واعٍ على البحث عن السلبيات والأخطاء والمشاكل. هذا "تأثير تترس السلبي" يجعلنا نرى العالم من خلال عدسة قاتمة ونفوت الفرص والإيجابيات الموجودة حولنا.
الخبر السار هو أنه يمكننا **إعادة تدريب أدمغتنا بوعي** للبحث عن الإيجابيات والفرص. يمكن تحقيق ذلك من خلال ممارسات بسيطة ومنتظمة مثل:
- تدوين الامتنان اليومي:** كتابة ثلاثة أشياء جديدة تشعر بالامتنان لها كل يوم لمدة 21 يومًا يمكن أن يعيد برمجة دماغك للبحث عن الإيجابيات.
- تسجيل التجارب الإيجابية:** تدوين تجربة إيجابية واحدة مررت بها خلال الـ 24 ساعة الماضية والتفكير في تفاصيلها.
- ممارسة أعمال اللطف العشوائية:** القيام بعمل لطيف لشخص آخر يعزز مشاعرنا الإيجابية ويربطنا بالآخرين.
هذه التمارين، رغم بساطتها، تعمل على تغيير الأنماط العصبية في الدماغ وتخلق "تأثير تترس إيجابي"، مما يجعلك أكثر قدرة على رؤية الفرص، حل المشكلات بإبداع، والحفاظ على نظرة متفائلة حتى في مواجهة التحديات.
المبدأ الرابع: "السقوط إلى الأعلى" - تحويل الفشل والنكسات إلى وقود
"بالنسبة لي، السعادة هي الفرح الذي نشعر به ونحن نسعى جاهدين لتحقيق إمكاناتنا."
— شون أكور
لا مفر من مواجهة الفشل والنكسات في الحياة. السؤال ليس "هل ستسقط؟"، بل "كيف ستنهض بعد السقوط؟". يقدم أكور مفهوم **"السقوط إلى الأعلى" (Falling Up)**، وهو القدرة ليس فقط على التعافي من الشدائد، بل على استخدامها كمنصة للنمو والتطور لتصبح أقوى وأكثر حكمة من ذي قبل.
الأشخاص الذين يتقنون "السقوط إلى الأعلى" يمتلكون **مرونة نفسية (Resilience)** عالية، ويرون الفشل ليس كنهاية للطريق، بل كمنعطف يقدم دروسًا وفرصًا جديدة. إنهم يتبنون عقلية ترى في كل تحدٍ بذرة لفرصة محتملة (وهو ما يذكرنا بمبدأ العائق هو الطريق).
لتنمية القدرة على "السقوط إلى الأعلى":
- غيّر سرديتك حول الفشل:** بدلاً من رؤيته كدليل على عدم الكفاءة، انظر إليه كجزء طبيعي من عملية التعلم والنمو.
- ابحث عن المعنى والفرصة:** اسأل نفسك: "ماذا يمكنني أن أتعلم من هذا؟"، "كيف يمكن لهذه التجربة أن تجعلني أفضل؟"، "ما هي الفرص الجديدة التي قد تنشأ من هذا الموقف؟".
- ركز على ما يمكنك التحكم فيه:** في مواجهة الشدائد، ركز طاقتك على الجوانب التي يمكنك التأثير عليها، بدلاً من القلق بشأن ما لا يمكنك تغييره.
- استخدم شبكة الدعم الاجتماعي:** لا تتردد في الاعتماد على الأصدقاء والعائلة والزملاء للحصول على الدعم والمنظور.
الفشل ليس قاتلاً إلا إذا سمحنا له بأن يكون كذلك. من خلال تبني عقلية "السقوط إلى الأعلى"، يمكننا تحويل أصعب تجاربنا إلى مصادر للقوة والنمو.
المبدأ الخامس: "دائرة زورو" - استعادة السيطرة في وجه الفوضى
الشعور بالإرهاق والضغط وفقدان السيطرة هو عدو السعادة والإنتاجية. عندما نشعر بأن الأمور خارجة عن سيطرتنا، تميل أدمغتنا إلى التوقف عن العمل بفعالية. يقدم أكور استراتيجية بسيطة لكنها فعالة لاستعادة الشعور بالسيطرة: **"دائرة زورو" (The Zorro Circle)**.
الفكرة مستوحاة من قصة البطل زورو، الذي تعلم المبارزة بالتركيز أولاً على إتقان دائرة صغيرة جدًا قبل التوسع تدريجيًا. وبالمثل، عندما نشعر بالإرهاق بسبب حجم مهمة كبيرة أو موقف فوضوي، يجب أن نبدأ بالتركيز على **هدف واحد صغير وقابل للإدارة يمكننا التحكم فيه بنجاح**. تحقيق هذا النجاح الصغير يعيد إلينا الشعور بالسيطرة والكفاءة، ويمنحنا الثقة والطاقة اللازمة لتوسيع "دائرتنا" تدريجيًا ومعالجة التحديات الأكبر.
أمثلة على تطبيق "دائرة زورو":
- إذا كنت تشعر بالإرهاق من كمية رسائل البريد الإلكتروني، ابدأ بالرد على رسالة واحدة فقط.
- إذا كنت ترغب في كتابة كتاب، ابدأ بكتابة فقرة واحدة أو صفحة واحدة فقط كل يوم.
- إذا كنت تشعر بالضغط بسبب مشروع كبير، ركز على إكمال مهمة صغيرة واحدة مرتبطة به.
المفتاح هو البدء بخطوة صغيرة يمكن تحقيقها بنجاح. هذا النجاح الأولي يكسر الشعور بالشلل ويعيد إليك الشعور بالقدرة على التأثير. إنها طريقة عملية لـ إدارة التوتر واستعادة زمام المبادرة.
المبدأ السادس: "قاعدة الـ 20 ثانية" - تحويل النوايا إلى أفعال
كم مرة نويت أن تبدأ عادة صحية جديدة (مثل ممارسة الرياضة، التأمل، تناول طعام صحي) لكنك وجدت صعوبة في الالتزام بها؟ يعزو أكور هذا غالبًا إلى أن قوة الإرادة وحدها ليست كافية للتغيير السلوكي طويل الأمد؛ فقوة الإرادة مورد محدود ينضب بسرعة.
الحل يكمن في جعل البدء في العادات الإيجابية أسهل، والبدء في العادات السلبية أصعب. يقدم أكور **"قاعدة الـ 20 ثانية" (The 20-Second Rule)**: قم بتعديل بيئتك لتقليل "طاقة التنشيط" (Activation Energy) اللازمة لبدء عادة جيدة بمقدار 20 ثانية على الأقل، وزيادة طاقة التنشيط اللازمة لبدء عادة سيئة بمقدار 20 ثانية على الأقل.
أمثلة:
- **لتسهيل ممارسة الرياضة:** جهز ملابسك الرياضية وحذاءك بجانب سريرك في الليلة السابقة (يوفر أكثر من 20 ثانية من البحث في الصباح).
- **لتسهيل تناول الفاكهة:** ضع وعاء الفاكهة في مكان بارز وسهل الوصول إليه، بدلاً من وضعه في الثلاجة.
- **لتقليل مشاهدة التلفاز:** أخرج البطاريات من جهاز التحكم عن بعد وضعها في درج آخر (يزيد الجهد المطلوب للتشغيل).
- **لتقليل تصفح وسائل التواصل الاجتماعي:** احذف التطبيقات من الشاشة الرئيسية لهاتفك أو سجل الخروج منها (يزيد الجهد المطلوب للوصول إليها).
هذه التعديلات البيئية البسيطة، التي تستغرق ثوانٍ قليلة، يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في سلوكنا على المدى الطويل لأنها تعمل مع طبيعتنا التي تميل إلى اختيار المسار الأقل مقاومة. إنها طريقة ذكية لـ "هندسة" بيئتنا لدعم أهدافنا بدلاً من الاعتماد فقط على قوة الإرادة. (هذا يتوافق مع أفكار العادات الذرية لجيمس كلير حول جعل العادات واضحة وسهلة).
المبدأ السابع: "الاستثمار الاجتماعي" - أقوى مؤشر للسعادة والمرونة
يؤكد أكور أن أحد أهم العوامل التي غالبًا ما يتم إغفالها في معادلة السعادة والنجاح هو **قوة وجودة علاقاتنا الاجتماعية**. في أوقات التوتر والشدائد، يعتبر الدعم الاجتماعي هو المورد الأكثر أهمية لدينا، وأقوى مؤشر على قدرتنا على الصمود والتعافي.
**الاستثمار الاجتماعي (Social Investment)** يعني تخصيص الوقت والطاقة بوعي لبناء ورعاية علاقات قوية وداعمة مع العائلة، الأصدقاء، الزملاء، والموجهين. هذا الاستثمار ليس مجرد "شيء لطيف"، بل هو ضرورة أساسية لرفاهيتنا وقدرتنا على الأداء.
فوائد الاستثمار الاجتماعي:
- الدعم العاطفي:** يوفر لنا شبكة أمان نلجأ إليها في الأوقات الصعبة.
- وجهات نظر وأفكار جديدة:** يساعدنا التواصل مع الآخرين على رؤية الأمور من زوايا مختلفة وإيجاد حلول جديدة.
- فرص للنمو:** العلاقات تفتح الأبواب أمام فرص مهنية وشخصية جديدة.
- زيادة المرونة:** معرفة أن لدينا أشخاصًا يمكننا الاعتماد عليهم تزيد من قدرتنا على مواجهة التحديات.
- تحسين الصحة:** أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم علاقات اجتماعية قوية يعيشون لفترة أطول ويتمتعون بصحة بدنية وعقلية أفضل. (انظر فوائد العلاقات القوية على الصحة من هارفارد).
يتطلب الاستثمار الاجتماعي جهدًا واعيًا: كن حاضرًا مع الآخرين، استمع باهتمام، قدم الدعم، عبر عن الامتنان، وخصص وقتًا منتظمًا لرعاية هذه العلاقات. في عالم يزداد تركيزًا على الإنجاز الفردي، يذكرنا أكور بأننا كائنات اجتماعية بطبعنا، وأن سعادتنا ونجاحنا يعتمدان بشكل كبير على قوة روابطنا الإنسانية.
تأثير الدومينو الإيجابي: كيف تنتشر السعادة؟
المبدأ الأخير الذي يطرحه أكور هو **"تأثير الدومينو" أو "التأثير المضاعف" (The Ripple Effect)**. سعادتنا وتفاؤلنا ليسا مجرد شأن شخصي، بل لهما تأثير معدي على الأشخاص من حولنا. عندما نختار أن نكون إيجابيين وداعمين، فإننا لا نحسن فقط من رفاهيتنا، بل نساهم أيضًا في خلق بيئة أكثر إيجابية وإنتاجية للجميع.
في بيئة العمل، يمكن للقائد الإيجابي والمتفائل أن يرفع معنويات الفريق بأكمله، ويزيد من التعاون، ويحفز الإبداع. الموظف السعيد والمشارك يمكن أن يلهم زملاءه. في الأسرة، يمكن لموقف أحد الوالدين الإيجابي أن يؤثر على الحالة المزاجية للأسرة بأكملها.
هذا يعني أن كل واحد منا لديه القدرة على أن يكون "ناقلًا للسعادة". من خلال تطبيق مبادئ علم النفس الإيجابي في حياتنا، يمكننا إحداث تأثير إيجابي مضاعف يتجاوزنا بكثير. إنه تذكير بأن أفعالنا ومواقفنا، مهما بدت صغيرة، لها أهمية وتساهم في تشكيل الثقافة من حولنا.
خاتمة: السعادة ليست الوجهة، بل هي المحرك
يقدم كتاب "ميزة السعادة" لشون أكور حجة مقنعة ومدعومة بالعلم بأن السعي وراء السعادة ليس ترفًا أو هدفًا مؤجلاً، بل هو **استراتيجية أساسية لتحقيق النجاح والأداء الأمثل في جميع جوانب حياتنا**. من خلال تبني المبادئ السبعة لعلم النفس الإيجابي – من تغيير عقليتنا وتدريب أدمغتنا على رؤية الإيجابيات، إلى تحويل الفشل إلى فرص، وإدارة طاقتنا بذكاء، والاستثمار في علاقاتنا – يمكننا خلق حلقة حميدة حيث تغذي السعادة النجاح، والنجاح بدوره يعزز السعادة.
الكتاب هو دعوة عملية لنتوقف عن مطاردة السعادة كهدف بعيد المنال، والبدء في زراعتها كعادة يومية وميزة استراتيجية. إنه يمنحنا الأدوات اللازمة ليس فقط لنكون أكثر سعادة، بل لنكون أيضًا أكثر فعالية، مرونة، إبداعًا، وتأثيرًا في العالم. إنها دعوة لتبني القيادة الإيجابية في حياتنا وحياة من حولنا.
ملاحظة حول النقد: بينما يقدم الكتاب رؤى قيمة، يرى بعض النقاد أنه قد يبالغ في تبسيط العلاقة بين السعادة والنجاح، وقد يتجاهل أحيانًا تأثير العوامل النظامية والهيكلية (مثل الفقر أو التمييز) على رفاهية الفرد. كما أن بعض الأبحاث تعتمد على الارتباطات أكثر من العلاقات السببية المباشرة. ومع ذلك، تظل المبادئ المقدمة أدوات قوية يمكن للأفراد استخدامها لتحسين منظورهم وأدائهم بشكل كبير.
أسئلة للنقاش والتأمل
- هل تؤمن بأن السعادة تسبق النجاح؟ كيف يتوافق هذا مع تجاربك الشخصية أو ملاحظاتك؟
- أي من المبادئ السبعة تجده الأكثر صلة أو قابلية للتطبيق في حياتك الآن؟ (ميزة السعادة، نقطة الارتكاز والرافعة، تأثير تترس، السقوط للأعلى، دائرة زورو، قاعدة الـ 20 ثانية، الاستثمار الاجتماعي)
- ما هي الخطوة العملية الصغيرة التي يمكنك اتخاذها هذا الأسبوع لتطبيق "قاعدة الـ 20 ثانية" على عادة إيجابية تريد بناءها أو عادة سلبية تريد التخلص منها؟
- كيف تقيم "استثمارك الاجتماعي" حاليًا؟ هل هناك علاقة مهمة تحتاج إلى المزيد من الوقت والاهتمام منك؟
- فكر في "تأثير الدومينو": كيف يمكن لموقفك الإيجابي (أو السلبي) أن يؤثر على الأشخاص من حولك في العمل أو المنزل؟
شاركنا أفكارك: ما هي "ميزة السعادة" الأكبر التي تأمل في تحقيقها من خلال تطبيق مبادئ هذا الكتاب؟